السبت، 28 أبريل 2012

[ الرد على شُبهة: لمَن نتركُ الساحة -اليوم-؟! هل نتركها للعَلمانيين والليبراليين؟!! ] لفضيلة الشيخ هشام البيلي -حفظه الله-

"جملة أسئلة أتت، وهي تؤكِّد ما تكرر على مسامعكم كثيرًا في أي منطقةٍ يعيشها أحدُكم، ألا وهي: (تركُ الساحة!) نترك الساحةَ لمَن؟!
وكأننا بين أمرين: إما أن نلتزم منهجَ أهل السنة والجماعة، وليس في هذا النجاة!!، وإما أن نشارك هؤلاء، ولا نترك الساحة، وفي ذلك النجاة!!
وكان الواجبُ عليكَ أن تُورِد على نفسك هذا الأمر .. أنتَ تقول: لمَن نتركُ الساحةَ؟!! كيف نترك الساحة؟!!
ونحن نقول لكَ: كيف نترك سبيلَ أهل السنة والجماعة؟!!
فهذه شبهة أو مدخل يدخل به هؤلاء على الناس: نترك الساحة لمَن؟! نحن لا نريد أن نترك الساحة، نترك الساحة لمَن؟!
وهذه الشبهة مردودٌ عليها، أو هذا المدخل مردودٌ عليه بأمورٍ كثيرةٍ:
واحد: هل تركُ الباطل مما تُؤاخَذ عليه بدعوى لمَ تترك الباطل؟!!
إذا وجدتَ باطلاً؛ فهل ترْك الباطل وعدم المشاركة فيه، وبيان أنه باطل، ودعوة الناس إلى تركه، ومحاربته، هل هذا تُؤاخذُ عليه؟!! أو تُحمدُ عليه؟!!
هذا تُحمدُ عليه.. أنكَ تركتَ الباطلَ، والله -عز وجل- يقول: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [الأنعام:68]. ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾ [النساء: 140].
هل قال الله -عز وجل-: وإذا رأيتَ الذين يخوضون في آياتنا فشاركهم!! ولا تترك لهم الساحةَ، شاركهم!!
فلا تجالسوهم (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ)، إلا إذا دخلتَ؛ فأنكرتَ، وهدمتَ ذلك على رؤوسٍ بالإنكار، والبيان، والحُجة، والسلطان.
وهذا يكونُ بغير مشاركة: تكونُ بالبيان؛ فحينما تحذِّر من سبيل العَلمانيين، أو الضلاليين، وهؤلاء.. فأنتَ ما تركتهم؛ إنما أنتَ بيَّنتَ للأمّة خطرَهم؛ فكيف تكونُ تاركًا لهم؟!!
الأمرُ الثاني: لمّا قلتَ: لا نترك الساحة، ماذا صنعتَ؟!
أصلحتَ الساحة!! أو شاركتَ الساحة بمذهب الساحة، وبقاعدة الساحة، وبقوانين الساحة!!
يبئه انته الآن زدتَ الطينَ بِلَّة! ما عالجتَ الأمر، أنتَ زدَّتَ الخطرَ خطرًا!
كلُّ ما صنعتَ أنتَ، أنكَ أصبغتَ على هذه الساحةِ (العَلمانية) و(الليبرالية) و(الديمقراطية) المخالِفة.. أصبغتها الصبغة الإسلامية!!
يعني فيه: ديمقراطية إسلامية!! فيه: أحزاب إسلامية!! فيه: كذا إسلامية!!
يبئه ضررُكَ أشد من هؤلاء؛ لأنهم كانوا يدعون إلى هذه المذاهب دون أن يُلبسوها لِبسة الشريعة!
فكان الناسُ جميعًا يعرفون أنها عَلمانية؛ إنما أنتَ الآن حينما دخلتَ بقانونهم، أضفيتَ عليها الصبغةَ الإسلامية!
فصار فيه حزب إسلامي!! صار فيه ديمقراطية إسلامية!! وصار فيه برلمانات إسلامية!! وصار فيه قانون إسلامي!! ودولة مدنية إسلامية!! ودولة عصرية إسلامية!! وهكذا..
كلُّ ما كان ينادي هؤلاء به، أنتَ تنادي به -الآن- تحت هذه الصبغة.
يبئه انته خطركَ أعظم؛ لأن نسبة الشيء إلى الشريعة، وليس من الشريعة، أخطر من أن يفعله الإنسان مجردًا.. هذا معروف، معلوم.
الأمرُ الثالثُ: إن قلتَ: إن ترك أهل الباطل، والقيام عليهم مع عدم مشاركتهم، والتحذير منهم، وبناء الأمة، وإصلاح الأمة من غير مشاركة والتمييع لأهل الباطل، إنْ قلتَ: أن هذه سلبية!! فأنا أدعوك إلى أن تتهمَ نبينا -صلى الله عليه وسلم- على كلامكَ، أو هذا لازم كلامكَ .. اتهامُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه كان على رأس هؤلاء السلبيين!!!
لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك قريشًا، ولم يشارك قريشًا فيما كانوا عليه، ولو بدعوى -يعني- التدرج؛ وإنما ترك المجال وصار يسفِّهُ الآلهةَ والأنداد، وقال الله -عز وجل-: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ  لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ  وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ  وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ  لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ﴾ [الكافرون:1-6].
وقد عرضوا عليه المُلكَ، لم يسعَ النبي بئه في المُلك، يأخذ أو يترك؟!
عرضوا عليه المُلكَ؛ فقالوا: إنْ أردتَ مُلكًا، ملَّكناكَ.
فلماذا لم يأخذ النبي المُلكَ؟ ولم يشاركهم ثم يتدرج في.. وفي.. وفي.. وفي، لماذا؟!
بل ترك النبي كل ذلك، وسفَّهَ الآلهةَ من بعيد من غير مشاركةٍ لهؤلاء.
فإنْ قال: لأن قبول النبي المُلكَ كان فيه التنازل!
نقول: التنازل عن الدين؟! أم التنازل عن عدم سب الآلهة والتعرض لها؟!
قالوا: التنازل عن عدم سب الآلهة والتعرض لها، قلنا: وأنتم في قبولكم السياسية، التنازل عن هذا كله!
فهل تتكلمون في الديمقراطية الآن؟! هاتوا الكتب التي ألفتموها من قبل في الديمقراطية، واقرؤوها علينا الآن؛ لنرى ما الفارق بين الديمقراطية السابقة والديمقراطية اللاحقة؟!! هي الديمقراطية.
فأنتم الآن تركتم الإنكار، وزدتم على ذلك أنكم حسَّنتم ولم تكتفوا بأنكم تركتم، بل قلتم بأن: هذه الديمقراطية لا بأس بها؛ إنما نأخذُ منها مجال الحرية فقط، ومجال كذا.. ونرد عليها قاعدتها: حُكم الشعب نفسه بنفسه أو غير ذلك.
إذاً أنتم تنازلتم! وقلتم أن: النبي ما قبل من أجل التنازل، وأنتم تنازلتم! أو أنكم تجادلون في أنكم ما تنازلتم؟!
خرَّجتم القِس النصراني يخطب على طاولاتكم!!.. طاولة السلفيين!! السلفيين!! حزب طويل عريض والطاولة موجودة، وليتقدم الآن الأستاذ مش عارف اسمه إيه؟ ميخائيل ولا جورج ولا اسم كده من الأسماء مسئول الكنيسة الفلانية، وصار هذا القِس يتصدر بين السلفيين!! على طاولة السلفيين!! يتكلم.. له كلمة! القِس يتكلم هنا!!
جبتم النصارى، وقلتم: طيب يعني أصل النصارى إحنا عرضنا عليهم، قلنا لهم: توافقون على الشريعة؟ قالوا: نعم نوافق على الشريعة. قلنا: خلاص، خلاص، أنتم معنا.
يعني النصارى الذين ذكرهم الله في القرآن ما رضوا عن النبي ولا عن شريعة النبي، لكنهم رضوا لهؤلاء عن شريعتهم!! وعن منهجهم!!
قال تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ﴾ [البقرة:120].
فلماذا الآن رضي اليهودُ والنصارى عن الشريعة الإسلامية ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾ [ص:5].
وقال بعضُهم: لعلهم أسلموا؛ فأخفوا إسلامَهم!!!
ولمّا قِيلَ: لمَ جئتم بالقِس، وجعلتموه يتكلم بينكم؟
قالوا: فيه إشكال؟! النبي سمع من اليهود والنصارى!!
يعني الآن ما عاد إشكال!! يعني بالأمس القريب (2010)م عقدتم محاضرات في الرد على (الإخوان المسلمين)، والآن قبلتم النصارى!!
دا حتى يعني الاسم .. (إخوان مسلمين).
طب ليه (الإخوان المسلمين) لم تأخذوهم معكم بالمرة -وقتها-؟!!
الآن صارت النصارى يُسلَّكُ لوجودهم، والإخوان ما سُلِّكَ لوجودهم!!
لماذا تردون على الإخوان وتقبلون النصارى؟!! إن هذا لشيءٌ عجيب، وهذا من إفرازات السياسية بغير ضوابط شرعية.
فهل يا تُرى تَرْكُنا لهؤلاء، والاعتزاز بديننا، والدعوة إلى منهاج النبوة في تربية الأمة وتصفية الأمة مما هي فيه، مما هي غارقة فيه من معاصٍ على رأسها الشرك، هل هذه سلبية؟!!
إذا كان كذلك، فلا أقولُ: إن نبينا كان سلبيًا!! بل جميع الأنبياء كذلك!!
إذا كان أمركم صحيحًا، فجميع الأنبياء كانوا كذلك؛ لأن جميع الأنبياء إنما ركزوا على تربية الأمة على التوحيد أولاً، وعلى تصفية الأمة من شوائب الشرك، وعدم المخالطة لهؤلاء حتى صرَّحوا ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ﴾ [يونس:71].
فصرَّحوا بهذا ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ [الممتحنة:4]. فين الدعوة دي بئه؟!!
هل تستقيم هذه الدعوة والنصارى معك في الحزب؟!! والنصارى يجلسون معكَ على الطاولة؟!!
وستدخل [ إلى ] العَلمانيين في أحزابهم وعُقر دارهم وبمخططهم وبقانونهم، ثم تدَّعي بعد ذلك أنك تريد الشريعة؟!!
أين البراءة من كل نظامٍ جاهليٍّ يخالف شِرعةَ الله ورسولِه -صلى الله عليه وسلم-؟!!
(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ) تقدر تقولها الآن؟!!
إنا برآء منكم يا جميع الأحزاب، لا نضع أيدينا في أيديكم.
إنا برآء من الديمقراطية.. إنا برآء من العَلمانية.. إنا برآء من الليبرالية.. إنا برآء من هذه البرلمانات ﴿بَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾.
هل تستطيعون هذا؟!! لا ، فيه حاجة اسمها (ميثاق شرف): لا تعترض على أحد، ولا تسفِّه أحدًا؛ فإنّ هذا يتعارض مع هذا الميثاق.
هل ممكن تدخل تقول: هذا الكلام؟!! هل تقدر تقوله الآن؟!!
أصبح من أحرج الأسئلة، وأصعب الأسئلة، ليس إنه يعني نهدم القبور ولا لئه؟! إنما أصبح من أصعب الأسئلة وأحرجها: الغِناء حلال ولا حرام؟! السينما حلال ولا حرام؟! السياحة حلال ولا حرام؟! لأنها تتعارض مع -طبعًا- توليكم بئه الرئاسة بعد ذلك.
هل اختاركم الشعب.. يختاركم بلا سياحة، وبلا كورة، وبلا غِناء، وبلا فن ولَّا ماذا تصنعون؟!
فأصبحنا نلف وندور في هذا النطاق.
فإذًا لمَن نترك الساحة؟!
لا تترك الساحة. وهل الساحة هي الساحة السياسية فقط؟!
أبدًا، الساحةُ مفتوحةٌ: هذه منابر، وهذه مساجد، وهذه شوارع، وهذه مؤسسات، وهذه أندية، ادعوا ليلكَ ونهاركَ، والله ما تكفي الأربعة وعشرين ساعة، والله ما تكفي.
ادعوا ليلكَ ونهاركَ، لكن إلى الإسلام الصحيح من غير أن تتنازل ومن غير أن تخسر.. حتى العَوَام -الآن- يقولون: الديمقراطية أصبحت حلال ولا إيه؟!! حرَّمتم الديمقراطية بالأمس، والآن تقولون كذا.
و(الإخوان المسلمون) يقولون: كنا على الصواب! إحنا كنا على الصواب؛ لأنكم تبدءون الآن من حيث انتهينا.
يقولون: كنا على الصواب؛ فعلام كنتم تعيبوننا بالأمس؟!! إن كنا نستحق العيبَ؛ فعلام تفعلون مثلما فعلنا؟!! وإذا كنا لا نستحق ذلك؛ فعلام صرفتم الأمة عنا؟!!
لكننا نقول: ديمقراطية اليوم، وواقع اليوم، صار واقعًا مُغايرًا!!؛ فإن الديمقراطية قد لبست نقابًا!! وإن الحزبية قد أطلقتْ لحيةً!! ولعلنا -إن شاء الله- نرى في ظل الديمقراطية ما لم نره في ظل الشورى السابقة!!
ما في ردود! ما في ردود أبدًا! ولهذا نقول: اتَّسعَ الخَرق على الرَّاقع، ولم يعد إلا المُناوشات! عاجبك.. عاجبك! مش عاجبك.. مش عاجبك!، إحنا كده وخلاص!! معدش دليل!!
أصلاً ما كان فيه دليل، إنما وقد اتسع الخرقَ على الراقع، الآن ما عاد فيه.. خلاص انتهت المسألة!
ما عاد أحد يناقش بدليل، ولا بقال الله وقال رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
والآن صارت اللغة، بعضُهم ينزل إلى أحد الأماكن؛ فالإخوة يتكلمون بالنص على -زمان بئه أيام لما كنا نتكلم بالنص، الإخوة يتكلمون بالنص- قال: لا، إحنا خلي بالك إحنا مش عايزين نجمد على النص!!، مسألة الجمود على النص، مسألة ليست بصحيحة!، إحنا عاوزين نأخذ بروح النص!!
انته!! يا ما كنت تُتهم كما اتُّهمَ أسلافُكَ من قبل: المُجسِّمة والمشبِّهة واللي كذا والأصولية والـ... أنتَ الآن تقرر هذا!!
بئه الآن لما نقول لك: ارجع للنص، تقول: هذا جمود على النص!!
وبعضُهم يقول -بنفس اللفظ، يقول: لما قال له النص، قال-: أنا أدوس على النص إذا خالف الشريعة!!
طب وفيه نص يخالف الشريعة؟!! إزاي؟!! يعني يقول: أنا عايز أطبق الشريعة، فتقول له: النص. يقول: أنا أدوس على النص عشان أطبق الشريعة!!
سبحان الله! وهل الشريعة شريعة هوى أم شريعة نص؟!!
عجيب يا إخواني، والله عجيب، تسمع كلمات تفرضها السياسة، وأحد المسئولين البارزين الكبار، هو طبعًا غير سلفي آه، لكن كلها واحدة انتظرها إن شاء الله لما يقول: إن الحكومة تريد أن تُوقِع بيننا وبين النصارى.. ما يعرفوش إن أنا مسلم أرثوذكس!! أنا مسلم أرثوذكس!! آه.. نعم.. فإنا لله وإنا إليه راجعون." اهـ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق